تعليموجهة نظر

في الحاجة إلى خلايا الإنصات بالمؤسسات التعليمية

بقلم ذ.حساين المامون
                     ادا كانت المدرسة مؤسسة اجتماعية وتربوية صغرى ضمن المجتمع الأكبر. ويقوم بتربية النشء وتأهيلهم ودمجهم في المجتمع لتكييفهم معه. أي إن المدرسة حسب إميل دوركايم ذات وظيفة سوسيولوجية وتربوية هامة، أي إنها فضاء يقوم بالرعاية والتربية والتنشئة الاجتماعية وتكوين المواطن الصالح. ومن ثم فالمدرسة “هي المكان أو المؤسسة المخصصة للتعليم، تنهض بدور تربوي لا يقل خطورة عن دورها التعليمي، إنها أداة تواصل نشيطة تصل الماضي بالحاضر والمستقبل، فهي التي تنقل للأجيال الجديدة تجارب ومعارف الآخرين والمعايير والقيم التي تبنوها، وكذا مختلف الاختيارات التي ركزوا وحافظوا عليها، بل وأقاموا عليها مجتمعهم الحالي” إذاً، فالمدرسة فضاء تربوي وتعليمي، وأداة للحفاظ على الهوية والتراث ونقله من جيل إلى آخر، وأس من أسس التنمية والتطور وتقدم المجتمعات الإنسانية.لكن في إطار التحولات العميقة التي تشهدها المدرسة المغربية على مستويات عدة ، اصبحت ظواهر العنف والتحرش والتدخين والمخدرات…التي كانت للامس القريب مجرد ظواهر معزولة ؛يمكن  القول أن واقع مجموعة من المؤسسات التعليمية ببلادنا لم يعد مشرفا ويقلق بال العديد من الفاعلين التربويين. فالفضاءات المعهود عليها أنها مكان للتحصيل والتربية على مبادئ الحوار والتسامح ومبدأ الاختلاف … لم تعد كدلك ، فمادا تغير يا ترى ؟ هل اصبحت المدرسة منتجة للظواهر السلبية بهدا الشكل؟ الم تعد المدرسة فضاء للتربية على السلوك المدني؟ هل الحاجة ملحة لخلايا الانصات بالمؤسسات؟.
قبل الحديث عن واقع مؤسساتنا التعليمية ووضعها الراهن وما تشهده من تطورات بل وانزلا قات خطيرة ، لا يمكن عزله عن واقع المجتمع المغربي وما يشهده من تطور وتغير جذري في بنياته ومؤسساته ، بل عقليته وقيمه. فالمتأمل في واقع غالبية مؤسساتنا التعليمية ، لا يمكنه إلا أن يستخلص أنها أصبحت في الاشهر الاخيرة مرتعا خصبا لمجموعة من الظواهر والآفات الخطيرة ، والتي تعرف أحيانا – للأسف الشديد- انتعاش أكثر داخل فضاءات المؤسسات ومحيطها ،وهو ما يشكل تهديدا خطيرا لأجيال بكاملها . هكذا نجد العنف بمختلف أشكاله بين مختلف مكونات الوسط المدرسي ، التدخين وتعاطي المخدرات ، التحرش بالمتعلمات ، دخول الغرباء لفضاء المؤسسة … إلى غيرها من الظواهر والآفات والتي تختلف حدتها من مؤسسة لأخرى . هذه الآفات التي تجد تفسيرها في مجموعة من العوامل أبرزها :
– عوامل تربوية : وتتلخص في التعثر الدراسي الذي يراكمه التلميذ عبر سنوات ماضية بسبب إملاءات الخريطة المدرسية ، سوء الاختيار والتوجيه بفعل القصور الكبير في منظومة التوجيه ، العلاقة بين التلميذ والأطر التربوية …
– مشاكل اجتماعية : كما أسلفت الذكر أن واقع ومشاكل المؤسسة تشكل امتداد لمثيلتها بالمجتمع . فالفقر والعوز بسبب الظروف المعيشية للأسر ، تحس المتعلم بالحرمان والتهميش أمام أقرانه ؛ الأمر الذي يدفع به إلى ترجمة ذلك الحرمان إلى عنف أو شغب أو غياب متكرر في أحسن الأحوال .
– مشاكل علائقية : تكمن بالأساس في الخلل الذي يعتري النسيج االعلائقي للتلميذ . فمنذ الوهلة الأولى يمكن الحديث عن علاقته بذاته وما يرسمه من تمثل وتصور حول نفسه كتلميذ وكمراهق ، ماهية وجوده ، طموحاته وأهدافه … من ناحية أخرى علاقته بأسرته ، بالمدرسة ومكوناتها ، الشارع وبالمجتمع ككل .
– مشاكل نفسية : يمكن اعتبارها حلقة وصل بين مختلف المشاكل السابقة ، فهي تتكامل لتفعل فعلتها في وجدان ونفسية التلميذ فتكبح جهوده وحافزتيه الداخلية ، وبالتالي يشعر بالإحباط واليأس لتكون النتيجة التعثر أو الفشل الدراسي . فالعديد من التلاميذ يعيشون ضغوط ، إن لم نقل عقد نفسية في بعض الأحيان ، بسبب طبيعة العلاقات السوسيوتربوية وما يميزها من تناقضات ومفارقات كبيرة . فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد بعض الفئات خاصة المنحدرة من أصول فقيرة تعيش مركب نقص أمام الأقران المتميزين في المظهر من حيث : اللباس ، الهيأة ، امتلاك آخر ما استجد في الهواتف المحمولة …الخ . ينضاف إلى هذا ما يعيشه التلميذ أحيانا من خصاص عاطفي من جهة الأسرة …
انطلاقا من هذا التشخيص الجزئي والمبسط لواقع المؤسسة التعليمية ببلادنا ، يمكننا الإجابة فيما إذا كانت مسألة إحداث مراكز الإنصات والوساطة التربوية أمرا ضروريا وحتميا أم لا يعدو أن يتعلق الأمر بمجرد خلايا وأندية الهدف منها تنشيط الحياة المدرسية على غرار بقية الأندية التربوية !!!.. . أمام هذه المشاكل التي لا حصر لها والتي تتخبط فيها المدرسة المغربية ،جاءت خلايا الانصات فماهي مهمة الانصات؟
يعتبر الإنصات إلى التلاميذ مهمة تربوية تتجلى في عقد مقابلة مع التلميذ قصد جمع معلومات حول شخصه كتلميذ وكفرد في المجتمع للتعرف عليه تربويا ومدرسيا واجتماعيا وإقداره على معرفة نفسه.
والإنصات إلى التلميذ علاقة تربوية مهنية تتم بين المربي( أو فريق الإنصات الذي ستتم الإشارة إلى تشكيلته لاحقا) والتلميذ بناء على طلب منه، أو بعد إقناعه من طرف أحد عناصر الفريق أو من طرف أحد مدرسيه. هذه العلاقة، تتسم بتفاعلات تربوية واجتماعية، تفضي إلى جمع أكبر عدد ممكن من المعلومات حول التلميذ، من أجل استثمارها ومساعدته على تخطي العقبات التي تلاقيه ضمن مساره الدراسي.
حسب تجربتي الميدانية كل تلميذ، في الظروف الراهنة، في حاجة إلى الإنصات إليه والاهتمام به بالمؤسسة التربوية، خصوصا منهم، ذوي الحاجات الخاصة، والصعوبات التربوية والاجتماعية. لهذا أضحت هذه العملية التربوية تحظى باهتمام خاص من طرف المهتمين بالمجال التربوي والتعليمي، خصوصا بعد تفشي ظواهر متعددة بالمؤسسات التعليمية، تندرج وظيفة الإنصات إلى التلاميذ ضمن مسئولية جميع المربين بشكل متكامل، بحيث يتشكل هذا الفريق من مدرسين وإداريين ومشرف على مهام الاستشارة والتوجيه. ويمكن أن ينضم إلى هذه العناصر متخصصون من قطاعات أخرى مثل الأخصائي النفساني والأخصائي الاجتماعي وطبيب الصحة المدرسية ومسؤولون عن مراكز الإنصات. أما قيادة الفريق فيستحسن أن تكون جماعية، إذ على كل عضو أن يجعل من مشاركته دورا رئيسيا حتى تؤدي عملية الإنصات وظيفتها وتحقق أهدافها. وهكذا يعمل أعضاء الفريق بالتناوب ويتم استقبال التلميذ في جلسة تربوية ملئها الثقة والمحافظة على السر.
ولتسهيل العمل والسير نحو الأهداف المرجوة من الإنصات إلى التلاميذ ، يمكن أن يتقاسم أعضاء الفريق، خصوصا التربويين والإداريين، المهام وتناط أدوار محددة بكل عضو حتى يتمكن من الإحاطة بالجوانب التي تدخل في إطار تخصصه.
إن توفر كل مؤسسة تعليمية على فريق تناط به مهمة الإنصات إلى التلاميذ، من شأنه أن يسهم في الحد من المشاكل اليومية وذلك بإدماج التلاميذ ذوي الصعوبات والحاجات الخاصة في مجموعة الفصل والانخراط في الحياة المدرسية. وتتحق هذه الأهداف بتظافر جهود جميع الأطر الإدارية والتربوية والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين ومراكز الإنصات.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button